بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الحمد لله ذي الجلال والإكرام، والصلاة والسلام على محمد خير الأنام، وعلى اله وأصحابه البررة الكرام.. أما بعد:
أخي المسلم أختي المسلمة :
اعلم أن إطلاق البصر سبب لأعظم الفتن، فكم فسد بسبب النظر من عابد، وكم
انتكس بسببه من شباب وفتيات كانوا طائعين، وكم وقع بسببه أناس في الزنى
والفاحشة والعياذ بالله. فالعين مرآة القلب، فإذا غض العبد بصره غض القلب
شهوته وإرادته، وإذا أطلق العبد بصره أطلق القلب. شهوته وإرادته، ونقش فيه
صور تلك المبصرات، فيشغله ذلك عن الفكر فيما ينفعه في الدار الآخرة. وما
كان إطلاق البصر سببا لوقوع الهوى في القلب أمر الشارع بغض البصر عما يخاف
عواقبه، فقال تعالى: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى
لهم إن الله خبير بما يصنعون، وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن
فروجهن... [النور:30-31].
النظر وخطورته
قال الإمام ابن القيم: أمر
الله تعالى نبيه أن يأمر المؤمنين بغض أبصارهم وحفظ فروجهم، وأن يعلمهم
أنه مشاهد لأعمالهم مطلع عليها: يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور
[غافر:19]، ولما كان مبدأ ذلك من قبل البصر جعل الأمر بغضه مقدما على حفظ
الفرج، فإن كل الحوادث مبدؤها من النظر، كما أن معظم النار من مستصغر
الشرر، تكون نظرة.. ثم خطرة.. ثم خطوة.. ثم خطيئة، ولهذا قيل: من حفظ هذه ا
لأربعة أحرز دينه: اللحظات، والخطرات، واللفظات، والخطوات. قال: والنظر
أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان، فإن النظرة تولد الخطرة، ثم تولد
الخطرة فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصير
عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولابد ما لم يمنع مانع، ولهذا قيل: الصبر على غض
البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده.
كـل الحوادث مبدأها من النظر *** ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها *** فتك الســهام بلاقوس ولاوتر
والعبــد ما دام ذا عين يقلبها *** في أعين الغيد موقوف على الخطر
يسـر مقلته ما ضـر مهجـته *** لا مـرحبا بسرور عاد بالضـرر
أحاديث وأثار في فتنة النظر
1-قال النبي : { ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء } [متفق عليه].
2-وقال : {... فاتقوا. الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء } [رواه مسلم].
3-وعن
جرير بن عبدالله قال: { سألت رسول الله صلى عليه وسلم عن نظرة الفجاءة
فأمرني أن أصرف بصري } [رواه مسلم]. وعند أبي داود أنه قال له. { اصرف بصرك
}.
4-وقال عليه الصلاة والسلام. { يا علي، لا تتبع النظرة النظرة؟
فإن لك الأولى، وليست لك الآخرة } [رواه الترمذي وأبو داود وحسنه
الألباني].
5-وقال : { العينان تزنيان، وزناهما النظر } [متفق عليه]
.
سد النبي كل ذريعة تفضي إلى تعمد النظر إلى النساء؟ حرصا منه على سلامة
القلوب ونقاء النفوس واستقامة المجتمع المسلم على تقوى الله ومخافته. لي من
ذلك:
1-أنه نهى النساء إذا صلين مع الرجال أن يرفعن رءوسهن قبل الرجال؟ لئلا يكون ذريعة منهن إلى رؤية عورات الرجال من وراء الأزر.
2-
أنه نهى المرأة إذا خرجت إلى المسجد أن تتطيب أو أن تصيب بخورا، وذلك لأنه
ذريعة إلى ميل الرجال وتشوقهم إليها، فإن رائحتها وزينتها وصورتها وإبداء
محاسنها تدعو إليها، فأمرها أن تخرج تفلة ولا تتطيب.
3- أنه لم يجعل لها وسط الطريق عند المشي حتى لا يراها كل أحد، بل جعل لها حافات الطريق وجوانبه
.
4- أنه نهى أن تنعت المرأة المرأة لزوجها حتى كأنه ينظر إليها، سدا
للذريعة، وحماية عن مفسدة وقوعها في قلبه وميله إليها بحضور صورتها في
نفسه.
5-أنه نهى عن الجلوس في الطرقات، وما ذاك إلا لأنه ذريعة إلى
النظر المحرم، فلما أخبروه أنه لابد لهم من ذلك قال: { أعطوا الطريق حقه،
قالوا: وما حقه؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام } [متفق عليه].
6-أن
الله سبحانه نهى النساء عن الضرب بأرجلهن عند السير سدا لذريعة النظر، حتى
لا ينظر الرجال إلى ما يخفين من الزينة والجمال، قال سبحانه: ولا يضربن
بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن [النور:31].
فوائد غض البصر :
أخي المسلم أختي المسلمة : وفي غض البصر فوائد عديدة ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله منها عشر فوائد وهي:
1- تخليص القلب من ألم الحسرة، فإن من أطلق نظره دامت حسرته.
2- أنه يورث القلب نورا وإشراقا يظهر في العين وفي الوجه وفي الجوارح، كما أن إطلاق البصر يورثه ظلمة تظهر في وجهه وجوارحه.
3-أنه
يورث صحة الفراسة، فإنها من النور وثمراته، قال شجاع الكرماني: من عمر
ظاهره باتباع السنة، وباطنه بدوام المراقبة، وغض بصره عن المحارم، وكف نفسه
عن الشهوات، وأكل من الحلال- لم تخطئ فراسته.
4- أنه يفتح له طرق
العلم وأبوابه، ويسهل عليه أسبابه, وذلك بسبب نور القلب، فإنه إذا استنار
ظهرت فيه حقائق المعلومات، ومن أرسل بصره تكدر عليه قلبه وأظلم.
شكوت إلى وكيــع سوء *** حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العـلم نـور *** ونــور الله لا يهـدي العاصي
5-أنه يورث قوة القلب وثباته وشجاعته، قال بعض الشيوخ: الناس يطلبون العز بأبواب الملوك، ولا يجدونه إلا في طاعة الله.
6- أنه يورث القلب سرورا وفرحة وانشراحا أعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظر، فلذة العفة أعظم من لذة الذنب.
7-
أنه يخلص القلب من أسر الشهوة، فإن الأسير هو أسير شهوته وهواه، ومتى أسرت
الشهوة والهوى القلب تمكن منه عدوه، وسامه سوء العذاب وصار:
كعصفورة في كف طفل يسومها *** حياض الردى والطفل يلهو ويلعب
8-
أنه يسد عن العبد بابا من أبواب جهنم، فإن النظر باب الشهوة الحاملة على
مواقعة الفاحشة، فمتى غض بصره سلم من الوقوع في الفاحشة، ومتى أطلقه كان
هلاكه أقرب.
9- أنه يقوي العقل ويزيده ويثبته، فإن إطلاق البصر
وإرساله لا يحصل إلا من خفة العقل وطيشه وعدم ملاحظته للعواقب كما قيل:
وأعقل الناس من لم يرتكب سببا *** حتى يفكر ما تجني عواقبه
10- أنه
يخلص القلب من ذكر الشهوة ورقدة الغفلة، فإن إطلاق البصر يوجب استحكام
الغفلة عن الله والدار والآخرة، ويوقع في سكرة العشق. ويزاد على ما ذكره
ابن القيم:
11-أنه يورث محبة الله، قال الحسن بن مجاهد: غض البصر عن محارم الله يورث حب الله.
12-أنه يورث الحكمة، قال أبو الحسين الوراق: من غض بصره عن محرم أورثه الله بذلك حكمة على لسانه، يهدى بها سامعوه.
13- أنه يفرغ القلب للتفكر في مصالحه والاشتغال بما ينجيه يوم القيامة.