بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة و السّلام على رسولنا محمد وعلى آله و أصحابه أجمعين .
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
الدلائل في حكم موالاة أهل الإشراك
الشيخ/سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب
بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالميـن.
اعلم
رحمك الله: أن الإنسان إذا أظهر للمشركين الموافقة على دينهم: خوفاً منهم،
و مداراة لهم و مداهنة؛ لدفع شرهم. فإنه كافر مثلهم ، وإن كان يكره دينهم
ويبغضهم، ويحب الإسلام والمسلمين. هذا إذا لم يقع منه إلا ذلك. فكيف إذا
كان في دار منعة، واستدعى بهم، ودخل في طاعتهم وأظهر الموافقة على دينهم
الباطل، وأعانهم عليه بالنصرة والمال ، ووالاهم وقطع الموالاة بينه وبين
المسلمين، وصار من جنود الشرك والقباب وأهلها، بعدما كان من جنود الإخلاص
والتوحيد وأهله. فإن هذا لا يشك مسلم أنه كافر، من أشد الناس عداوة لله
ورسوله -صلى الله عليه وسلم- . ولا يستثنى من ذلك إلا المكره: وهو الذي
يستولي عليه المشركون ، فيقولون له: اكفر، أو افعل كذا وإلا فعلنا بك
وقتلناك. أو يأخذونه، فيعذبونه حتى يوافقهم. فيجوز له الموافقة باللسان، مع
طمأنينة القلب بالإيمان. وقد أجمع العلماء على أن من تكلم بالكفر هازلاً
أنه يكفر فكيف بمن أظهر الكفر خوفاً وطمعاً في الدنيا؟ ! وأنا أذكر بعض
الأدلة على ذلك، بعون الله وتأييده:
الدليل الأول:
قول الله تعالى : ﴿
وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ
مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ
أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ
مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ﴾ [البقرة : 120] . فأخبر تعالى: أن
اليهود والنصارى وكذلك المشركون، لا يرضون عن النبي -صلى الله عليه وسلم-
حتى يتبع ملتهم، ويشهد أنهم على حق. ثم قال: ﴿ قُلْ
إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ
الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ
نَصِيرٍ ﴾ [البقرة : 120] وفي الآية الأخرى: ﴿ إنك إذا لمن الظالمين ﴾
فإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لو يوافقهم على دينهم ظاهراً من غير
عقيدة القلب ـ لكن خوفاً من شرهم ومداهنة ـ كان من الظالمين، فكيف بمن أظهر
لعباد القبور والقباب أنهم على حق وهدى مستقيم ؟ ! فإنهم لا يرضون إلا
بذلك.
الدليل الثاني:
قول الله تعالى :
﴿ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ
إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ
كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ
وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة
: 217] فأخبر تعالى: أن الكفار لا يزالون يقاتلون المسلمين حتى يردوهم عن
دينهم إن استطاعوا. ولم يرخص في موافقتهم خوفاً على النفس والمال والحرمة،
بل أخبر عمن وافقهم بعد أن قاتلوه ليدفع شرهم أنه مرتد. فإن مات على ردته
بعد أن قاتله المشركون، فإنه من أهل النار الخالدين فيها. فكيف بمن وافقهم
من غير قتال ؟ ! فإذا كان من وافقهم بعد أن قاتلوه، لا عذر له، عرفت أن
الذين يأتون إليهم ويسارعون في الموافقة لهم من غير خوف ولا قتال، أنهم
أولى بعدم العذر، وأنهم كفار مرتدون.
الدليل الثالث:
قوله تبارك وتعالى: ﴿
لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ
الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ
إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ
وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ ﴾ [آل عمران : 28] .فنهى سبحانه المؤمنين
عن اتخاذ الكافرين أولياء وأصدقاء وأصحاباً من دون المؤمنين، وإن كانوا
خائفين منهم، وأخبر أن من فعل ذلك: ﴿ فليس من الله في شيء ﴾ . أي : لا يكون من أولياء الله الموعودين بالنجاة في الآخرة. ﴿ إلا أن تتقوا منهم تقاة ﴾ ،
وهو أن يكون الإنسان مقهوراً معهم، لا يقدر على عداوتهم.فيظهر لهم
المعاشرة، والقلب مطمئن بالبغضاء والعداوة ، وانتظار زوال المانع. فإذا
زال، رجع إلى العداوة والبغضاء. فكيف بمن اتخذهم أولياء من دون المؤمنين من
غير عذر، إلا استحباب الحياة الدنيا على الآخرة، والخوف من المشركين وعدم
الخوف من الله، فما جعل الله الخوف منهم عذراً؛ بل قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران : 175] .
الدليل الرابع:
قوله تعالى: ﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ
يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ ﴾ [آل
عمران : 149] . فأخبر تعالى: أن المؤمنين إن أطاعوا الكفار، فلابد أن
يردوهم على أعقابهم عن الإسلام؛ فإنهم لا يقنعون منهم بدون الكفر. وأخبر:
أنهم إن فعلوا ذلك، صاروا من الخاسرين في الدنيا والآخرة. ولم يرخص في
موافقتهم وطاعتهم خوفاً منهم. وهذا هو الواقع؛ فإنهم لا يقتنعون ممن وافقهم
إلا بشهادة أنهم على حق، وإظهار العداوة والبغضاء للمسلمين، وقطع اليد
منهم. ثم قال: ﴿ بل الله مولاكم وهو خير الناصرين ﴾
. ففي ولايته وطاعته ، غنية وكفاية عن طاعة الكفار. فيا حسرة على العباد:
الذين عرفوا التوحيد، ونشئوا فيه، ودانوا به زماناً . كيف خرجوا عن ولاية
رب العالمين، وخير الناصرين. إلى ولاية القباب وأهلها، ورضوا بها بدلاً عن
ولاية من بيده ملكوت كل شيء... ؟ !! بئس للظالمين بدلاً.
الدليل الخامس:
قوله تعالى: ﴿ أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ كَمَن بَاء بِسَخْطٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾
[آل عمران : 162] . فأخبر تعالى: أنه لا يستوي من اتبع رضوان الله، ومن
اتبع ما يسخطه ومأواه جهنم يوم القيامة. ولا ريب أن عبادة الرحمن وحده
ونصرها، وكون الإنسان من أهلها: من رضوان الله. و أن عبادة القباب و
الأموات و نصرها و الكون من أهلها: مما يسخط الله. فلا يستوي عند الله من
نصر توحيده و دعوته بالإخلاص، و كان مع المؤمنين. و من نصر الشرك و دعوة
الأموات و كان مع المشركين. فإن قالوا: خفنا!!. قيل لهم : كذبتم و أيضاً:
فما جعل الله الخوف عذراً في اتباع ما يسخطه، و اجتناب ما يرضيه. وكثيراً
من أهل الباطل: إنما يتركون الحق خوفاً من زوال دنياهم، و إلا فيعرفون الحق
و يعتقدونه. ولم يكونوا بذلك مسلمين .
الدليل السادس:
قوله تعالى: ﴿
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ
قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ
قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا
فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً ﴾ [النساء :
97] . . أي: في أي فريق كنتم ، أفي فريق المسلمين أم في فريق المشركين ؟.
فاعتذروا عن كونهم ليسوا في فريق المسلمين: بالاستضعاف. فلم تعذرهم
الملائكة، و قالوا لهم : ﴿ ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم و ساءت مصيراً ﴾
و لا يشك عاقل: أن [ أهل ] البلدان الذين خرجوا عن المسلمين، صاروا مع
المشركين وفي فريقهم و جماعتهم. هذا مع أن الآية نزلت: في أناس من أهل مكة.
أسلموا، و احتبسوا عن الهجرة. فلما خرج المشركون إلى بدر، أكرهوهم على
الخروج معهم، فخرجوا خائفين. فقتلهم المسلمين يوم بدر؛ فلما علموا بقتلهم
تأسفوا، و قالوا: قتلنا إخواننا. فأنزل الله فيهم هذه الآية . فكيف بأهل
البلدان: الذين كانوا على الإسلام، فخلعوا ربقته من أعناقهم، و أظهروا لأهل
الشرك الموافقة على دينهم، و دخلوا في طاعتهم، وآووهم و نصروهم، و خذلوا
أهل التوحيد، واتبعوا غير سبيلهم، و خطئوهم، و ظهر فيهم: سبهم ، و شتمهم ، و
عيبهم، و الاستهزاء بهم، و تسفيه رأيهم ـ في ثباتهم على التوحيد و الصبر
عليه، و على الجهاد فيه ـ و عاونوهم على أهل التوحيد طوعاً لا كرهاً،
واختياراً لا اضطراراً . فهؤلاء أولى بالكفر و النار من الذين تركوا الهجرة
شحاً بالوطن، و خوفاً من الكفار، و خرجوا في جيشهم مكرهين خائفين. فإن قال
قائل: هلاً كان الإكراه عذراً ـ للذين قتلوا يوم بدر ـ على الخروج ؟. قيل:
لا يكون عذراً لأنهم في أول الأمر لم يكونوا معذورين. إذا أقاموا مع
الكفار، فلا يعذرون بعد ذلك بالإكراه ؛ لأنهم السبب في ذلك، حيث أقاموا
معهم وتركوا الهجرة.
الدليل السابع:
قوله تعالى: ﴿
وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ
اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ
حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ
اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً ﴾
[النساء : 140] . فذكر تبارك و تعالى، أنه نزل على المؤمنين في الكتاب:
أنهم إذا سمعوا آيات الله يكفر بها، و يستهزأ بها فلا يقعدوا معهم، حتى
يخوضوا في حديث غيره. و أن من جلس مع الكافرين بآيات الله، المستهزئين بها
في حال كفرهم واستهزائهم: فهو مثلهم. و لم يفرق بين الخائف و غيره. إلا
المكره. هذا وهم في بلد واحد، في أول الإسلام . فكيف بمن كان في سعة
الإسلام و عزه و بلاده، فدعا الكافرين بآيات الله المستهزئين بها إلى
بلاده، واتخذهم أولياء و أصحاباً و جلساء، وسمع كفرهم واستهزاءهم واقرهم،
وطرد أهل التوحيد و أبعدهم ؟ !!.
الدليل الثامن:
قوله تعالى: ﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ
وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم
مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ ﴾ [المائدة : 51] . فنهى سبحانه المؤمنين: عن اتخاذ
اليهود و النصارى أولياء. و أخبر: أن من تولاهم من المؤمنين،فهو منهم .
وهكذا حكم من تولى الكفار من المجوس وعباد الأوثان، فهو منهم. فإن جادل
مجادل: في أن عبادة القباب، و دعاء الأموات مع الله ليس بشرك، و أن أهلها
ليسوا بمشركين. بان أمره، و اتضح عناده و كفره. ولم يفرق تبارك وتعالى بين
الخائف، وغيره. بل أخبر تعالى: أن الذين في قلوبهم مرض يفعلون ذلك خوفاً من
الدوائر. وهكذا حال هؤلاء المرتدين: خافوا من الدوائر، وزال ما في قلوبهم
من الإيمان بوعد الله الصادق بالنصر لأهل التوحيد. فبادروا وسارعوا إلى أهل
الشرك، خوفاً أن تصيبهم دائرة، قال تعالى: ﴿
فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ
فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ﴾ [المائدة : 52] .
الدليل التاسع:
قوله تعالى: ﴿
تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا
قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي
الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ﴾ [المائدة : 80] . فذكر تعالى: أن
موالاة الكفار موجبة لسخط الله، و الخلود في العذاب بمجردها، و إن كان
الإنسان خائفاً . إلا من أكره بشرطه. فكيف إذا اجتمع ذلك مع الكفر الصريح،
وهو: معاداة التوحيد و أهله، و المعاونة على زوال دعوة الله بالإخلاص، وعلى
تثبيت دعوة غيره.
الدليل العاشر:
قوله تعالى: ﴿
وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ
مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾
[المائدة : 81] . فذكر تعالى: أن موالاة الكفار منافية للإيمان بالله، و
النبي وما أنزل إليه. ثم أخبر: أن سبب ذلك، كون كثير منهم فاسقون . و لم
يفرق بين من خاف الدائرة و بين من لم يخف. و هكذا حال كثير من هؤلاء
المرتدين، قبل ردتهم كثير منهم فاسقون. فجرهم ذلك إلى موالاة الكفار،و
الردة عن الإسلام. نعوذ بالله من ذلك.